الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
تنبيه: قال بعض العارفين: اللّه تعالى له الأخلاق السنية وهي الأسماء الإلهية فمن ذكر الحق كان جليسه ومن كان جليسه فهو أنيسه فلا بد أن ينال من مكارم خلقه على قدر زمان مجالسته ومن جلس إلى قوم يذكرون اللّه أدخله معهم في رحمته وكرامته فإنهم القوم لا يشقى جليسهم فكيف يشقى من كان الحق جليسه (من ملائكتي ولا يذكرني في ملأ) أي جماعة من خواص خلقي المقبلين على ذكري داعياً لهم إليَّ أو ناشراً بينهم ثنائي أو دالاً لهم على حقيقة ذكري أو مراقبتي أو شاغلاً لهم بذكري (إلا ذكرته في الرفيق الأعلى) ظاهر هذا أن ذكر اللسان علانية أفضل من الذكر الخفي والذكر القلبي، قال وهب: رأيت في بعض الكتب الإلهية أن اللّه يقول يا ابن آدم ما قمت لي بما يجب لي عليك أذكرك وتنساني وأدعوك وتفر مني، خيري إليك نازل وشرك إليّ صاعد. - (طب عن معاذ بن أنس) بن مالك قال الهيثمي: إسناده حسن. 6060 - (قال اللّه تعالى عبدي) بحذف حرف النداء (إذا ذكرتني خالياً) عن الخلائق أو عن الالتفات لغيري وإن كنت معهم (ذكرتك خالياً) أي إن ذكرتني بالتنزيه والتقديس سراً ذكرتك بالثواب والرحمة سراً وقال ابن أبي جمرة: يحتمل كونه كقوله تعالى {اذكروني أذكركم} معناه اذكروني بالتعظيم أذكركم بالإنعام وقال تعالى - (هب عن ابن عباس) ورواه عنه البزار قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير بشر بن معاذ العقدي وهو ثقة. 6061 - (قال اللّه تعالى إذا ابتليت عبدي المؤمن) أي اختبرته وامتحنته (فلم يشكني) أي لم يخبر بما عنده من الألم (إلى عوّاده) أي زوّاره في مرضه وكل من أتاك مرة بعد أخرى فهو عائد لكنه اشتهر في عائد المريض كما سبق (أطلقته من إساري) أي من ذلك المرض (ثم أبدلته لحماً خيراً من لحمه) الذي أذهبه الألم (ودماً خيراً من دمه) الذي أذهبه الألم (ثم يستأنف العمل) أي يكفر المرض عمله السيء ويخرج منه كيوم ولدته أمه ثم يستأنف وذلك لأن العبد لما تلطخ بالذنوب ولم يتب طهره من الدنس بتسليط المرض فلما صبر ورضي أطلقه من أسره بعد غفره ما كان من إصره ليصلح لجواره بدار إكرامه فبلاؤه نعمة وسقمه منة وفي إفهامه أنه إذا شكى لم ينل هذه المثوبة قال الغزالي: الشكوى معصية قبيحة من أهل الدين فكيف لا تقبح من رب العالمين فالأحرى الصبر على القضاء فإن كان ولا بد من الشكوى فإلى اللّه فهو المبلي وهو المعافي والشكوى ذل وإظهار الذل للعبيد مع كونهم أذلاء قبيح قال حكيم: لا تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك، نعم لا بأس بالإظهار إذا صحت النية كأن يصف ما به للطبيب أو لغيره ليعلمه الصبر أو ليظهر بذلك عجزه وافتقاره إلى ربه ولكن يحسن ممن عرف منه القوة والصرامة كما قيل لعليّ في مرضه كيف [ص 495] أنت قال بشر فنظر بعض القوم لبعض ظانين أنه شكاية فقال: أأتجلد على اللّه؟ فأحب إظهار عجزه لما علموه من قوته. - (ك هق عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي في التلخيص لكنه قال في المهذب: لم يخرجه الستة لعلته اهـ. وقال العراقي: سنده جيد. 6062 - (قال اللّه تعالى عبدي المؤمن أحب إليّ من بعض ملائكتي) فإنه تعالى خلقه في غاية الحسن والإتقان وأعلى منصبه على سائر الحيوان وجعله مختصراً من العالم المحيط مركباً من كثيف وبسيط لم يبق في الإمكان شيء إلا وأودع فيه في أول نشأته ومبانيه حتى برز على غاية الكمال وظهر في البرازخ بين الجلال والجمال فليس في الوجود عجز ولا في القدرة نقصان قال ابن عربي: صح ذلك عند ذوي العقول الراجحة بالدليل والبرهان ولهذا قال بعض الأئمة يعني الغزالي ليس أبدع من هذا العالم في الإمكان فانظر إلى ما تفرق في العالم الأكبر تجده في هذا العالم الإنساني من ملك وملكوت حتى إذا ظهر في العالم مثل إنما وجدته في الإنسان كالشعر والظفر وكما أن في العالم ماءاً ملحاً وعذباً وزعاقاً ومراً فكذا في الإنسان: فالمالح في عينه والزعاق في منخريه والمرّ في أذنيه والعذب في فمه، وكما أن في العالم تراباً وماءاً وهواءاً وناراً ففي الإنسان مثل ذلك، وكما أن في العالم رياحاً أربع شمالاً وجنوباً وصباً ودبوراً ففي الإنسان أربع قوى: جاذبة وماسكة وهاضمة ودافعة، وكما أن في العالم سباعاً وشياطين وبهائم ففي الإنسان الافتراس وطلب القهر والغلبة والغضب والحقد والحسد والأكل والشرب والنكاح، وكما أن في العالم ملائكة بررة سفرة ففي الإنسان طهارة وطاعة ، وكما أن في العالم من يظهر للأبصار ويخفى ففي الإنسان ظاهر وباطن: عالم الحس وعالم القلب، فظاهره ملك وباطنه ملكوت، وكما أن في العالم سماءاً وأرضاً ففي الإنسان علواً وسفلاً فامش بهذا الاعتبار على العالم تجد النسخة الإلهية صحيحة ما اختل حرف ولا نقص معنى. والقصد بيان شرف الإنسان. - (طس) وكذا الديلمي (عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه ابن المهرم متروك. 6063 - (قال اللّه تعالى وعزتي وجلالي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين: إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع عبادي) فمن كان خوفه في الدنيا أشد كان أمنه يوم القيامة أكثر وبالعكس وذلك لأن من أعطى علم اليقين في الدنيا طالع الصراط وأهواله بقلبه فذاق من الخوف وركب من الأهوال ما لا يوصف فيضعه عنه غداً ولا يذيقه مرارته مرة ثانية وهذا معنى قول بعض العارفين لأنه لما صلى حر مخالفة القوى في الدنيا لم يذقه اللّه كرب الحر في العقبى. قال القرطبي: فمن استحى من اللّه في الدنيا مما يصنع استحى اللّه عن سؤاله في القيامة ولم يجمع عليه حياءين كما لم يجمع عليه خوفين وقال الحرالي: نار الحق في الدنيا للمعترف رحمة من عذاب النار تفديه من نار السطوة في الآخرة ومحمد عليه الصلاة والسلام يعطى الأمن يوم القيامة حتى يتفرغ للشفاعة وما ذاك إلا من الخوف الذي كان علاه أيام الدنيا فلم يجتمع عليه خوفان فكل من كان له حظ من اليقين فعاين منه ما ذاق من الخوف سقط عنه من الخوف بقدر ما ذاق هنا قال العارفون: والخوف خوفان خوف عقاب وخوف جلال والأول يصيب أهل الظاهر والثاني يصيب أهل القلوب والأول يزول والثاني لا يزول. - (حل عن شداد بن أوس) ورواه البزار والبيهقي عن أبي هريرة. 6064 - (قال اللّه تعالى يا ابن آدم إن ذكرتني في نفسك) أي سراً وخيفة إخلاصاً وتجنباً للرياء (ذكرتك في نفسي) أي [ص 496] أسر بثوابك على منوال عملك وأتولى بنفسي إثابتك لا أكله لأحد من خلقي فهو وارد على منهج المشاكلة أو المعنى إن خلوت بذكري أخليت سرك عن سواي وإن أخفيت ذكرك إجلالاً لي أخفيتك في غيبي فلا ينالك مكروه فتكون سري بين خلقي غاروا على أذكاره فغار على أوصافهم فهم خباياه في غيبه وأسراره في خلقه (وإن ذكرتني في ملأ) افتخاراً بي وإجلالاً لي بين خلقي (ذكرتك في ملأ خير منهم) أي ملأ الملائكة المقربين وأمواح المرسلين مباهات بك وإعظاماً لقدرك وخيرية الملائكة من جهة أن حالتهم واحدة في الطاعة والمؤمنون مختلفون فهم بين طاعة ومعصية وفترة وتوفير وجدّ وتقصير والملأ الذي عنده مقدس لا يعصون اللّه بحال فقد تمسك بهذا من فضل الملائكة على البشر (وإن دنوت مني شبراً دنوت منك ذراعاً وإن دنوت مني ذراعاً دنوت منك باعاً وإن أتيتني تمشي أتيتك أهرول) يعني من دنا إليّ وقرب مني بالاجتهاد والإخلاص في طاعتي قربته بالهداية والتوفيق وإن زاد زدت واعلم أنه سبحانه وتعالى أقرب من كل شيء إلى كل شيء أبعد إلى كل شيء من كل شيء وقربه من خلقه أقسام ثلاثة قرب العامة وهو قرب العلم وقرب الخاصة وهو قرب الرحمة وقرب خاصة الخاصة وهو قرب الحفظ والرعاية ذكره بعض الأعاظم وقال ابن عربي: هذا قرب مخصوص يرجع إلى ما يتقرب إليه سبحانه من الأعمال والأحوال فإن القرب العام قوله تنبيه: قال العوفي: هذا الحديث أصل في السلوك إلى اللّه والوصول إلى معرفته. - (حم عن أنس) بن مالك قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. 6065 - (قال اللّه تعالى يا ابن آدم إنك ما دعوتني) أي مدة دعائك فهي زمانية نحو - (ت والضياء) المقدسي (عن أنس) بن مالك. 6066 - (قال اللّه تعالى عبدي) بحذف حرف النداء (أنا عند ظنك بي وأنا معك) بالتوفيق والمعونة أو أنا معك بعلمي وهو كقوله - (ك عن أنس) بن مالك. 6067 - (قال اللّه تعالى للنفس اخرجي) من الجسد (قالت لا أخرج إلا كارهة) قال الطيبي: ليس المراد نفساً معينة بل الجنس مطلقاً كقوله أمرّ على اللئيم يسبني وذلك لأنها ألفت الجسد واشتدت مصاحبتها له وامتزاجها به فلا تخرج إلا بغاية الإكراه. - (خد عن أبي هريرة) ورواه عنه البزار هكذا وزاد قال اخرجي وإن كرهت قال الهيثمي: رجاله ثقات. 6068 - (قال اللّه تعالى يا ابن آدم ثلاثة واحدة لي وواحدة لك وواحدة بيني وبينك فأما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئاً وأما التي لك فما عملت من عمل جزيتك به فإن أغفر فأنا الغفور الرحيم وأما التي بيني وبينك فعليك الدعاء والمسألة وعليّ الاستجابة والعطاء) تفضلاً وتكرماً لا وجوباً والتزاماً فالاستجابة والعطاء أمر محقق لا ريب فيه لكن تارة يكون بعين المسؤول وتارة بدله مما هو أصلح وأنفع وتارة في الدنيا وأخرى في الآخرة. - (طب عن سلمان) الفارسي رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: وفيه حميد بن الربيع مدلس وفيه ضعف. 6069 - (قال اللّه تعالى من لا يدعوني أغضب عليه) أي ومن يدعوني أحبه وأستجيب له، وقيل في المعنى: [ص 498] اللّه يغضب إن تركت سؤاله * وبني آدم حين يسأل يغضب قال سبحانه - (العسكري في المواعظ عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه. 6070 - (قال ربكم أنا أهل أن أتقى) بالبناء للمفعول بضبط المصنف أي أخاف وأحذر فالحذر أن أوصف بما وصفني به المشركون - (حم ت ن) في التفسير (ه) في الزهد (ك) في التفسير كلهم من حديث سهيل القطيعي عن ثابت (عن أنس) وقال الترمذي: حسن غريب وسهيل ليس بالقوي وقد تفرد به عن ثابت. 6071 - (قال ربكم لو أن عبادي أطاعوني) في فعل المأمورات وتجنب المنهيات (لأسقيتهم المطر بالليل ولأطلعت عليهم الشمس بالنهار ولما أسمعتهم صوت الرعد) قال الطيبي: من باب التتميم فإن السحاب مع وجود الرعد فيه شائبة خوفاً من البرق لقوله سبحانه {هو الذي يريكم البرق خوفاً وطعماً}. - (حم ك) في التفسير من حديث صدقة بن موسى عن محمد بن واسع عن عمير (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بأن صدقة واه فالصحة من أين؟ 6072 - (قال) لي (جبريل لو رأيتني) يا محمد حين قال فرعون عند إدراكه الغرق {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين} (وأنا آخذ من حال البحر) أي طينه الأسود المنتن (فأدسه في في فرعون) عندما أدركه الغرق (مخافة أن تدركه الرحمة) أي رحمة اللّه التي وسعت كل شيء وجواب لو محذوف أي لرأيت أمراً عجيباً يبهت الواصف عن كنهه فإني لما شاهدت تلك الحالة بهت غضباً على عدو اللّه لادعائه تلك العظمة، والحاصل أنه إنما فعل ذلك غضباً للّه لا أنه كره إيمانه لأن كراهة إيمان الكافر على ما قالوا كفر قال الماتريدي: إنما يكون الرضى بالكفر كفراً إذا رضي بكفر نفسه لا بكفر غيره وقد ذكر الزمخشري هذا بوزن قوله مخافة إلخ وقال دسه في فيه للغضب للّه على الكافر في وقت قد علم أن إيمانه لا ينفعه قال وأما ما يضم إليه من قولهم مخافة أن تدركه الرحمة فمن زيادات المباهتين للّه ولملائكته لأن الإيمان يصح بالقلب فحال البحر لا يمنعه أي عند الحنفية وقد يجاب بأن جبريل عليه السلام أراد شغل قلبه لا لسانه. - (حم ك عن ابن عباس) أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لما أغرق اللّه فرعون فقال 6073 - (قال لي جبريل بشر خديجة) بنت خويلد أم المؤمنين (ببيت في الجنة من قصب) يعني قصب اللؤلؤ المجوف كما جاء مفسراً في هذا الخبر بعينه وهو إما من تتمة الحديث أو من كلام الصحابي (لا صخب فيه) بفتح المهملة والمعجمة والموحدة لا صياح فيه (ولا نصب) بالتحريك لا تعب لأن قصور الجنة ليس فيها ذلك كما ذكره ابن القيم قال السهيلي: المناسبة في هاتين الصفتين أن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لما دعى إلى الإيمان أجابت خديجة طوعاً فلم تحوجه إلى رفع صوت ولا نزاع ولا تعب بل أزالت عنه كل نصب وآنسته من كل وحشة وهوّنت عليه كل عسير فناسب كون منزلها الذي بشرها به ربها بالصفة المقابلة قال الخطابي: والبيت هنا عبارة عن قصر وقد يقال لمنزل الرجل بيته قال السهيلي: وهو صحيح يقال في القوم هو أهل بيت شرف وعزو في التنزيل - (طب) وكذا الأوسط (عن ابن أبي أوفى) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير محمد بن أبي سمية وقد وثقه غير واحد. 6074 - (قال لي جبريل قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد رجلاً أفضل من محمد وقلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد بني أفضل من بني هاشم) قال الحكيم: إنما طاف الأرض ليطلب النفوس الطاهرة الصافية المتزكية بمحاسن الأخلاق ولم ينظر للأعمال لأنهم كانوا أهل الجاهلية إنما نظر إلى أخلاقهم فوجد الخير في هؤلاء وجواهر [ص 500] النفوس متفاوتة بعيدة التفاوت.
|